الاهلي الان

Tuesday, February 9, 2010

تعليق على قصيدة "مرثية حلم: دعني وجرحي، للشاعر فاروق جويدة"












  تعليق على قصيدة "مرثية حلم: دعني وجرحي، للشاعر فاروق جويدة"

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لقد وصلتنا بعض الشكاوى من بعض الاخوة الغيورين على دين الله تعالى والحريصين على سلامته جزاهم الله تعالى كل خير بخصوص قصيدة (مرثية حلم: دعني وجرحي، للشاعر فاروق جويدة)، وبشكل خاص عن البيت الثالث فيها والذي فيه شبهة سب الدهر، وأحببت ان أبين وأعلق على هذه الشبهة لأنه يلتبث بها على الكثيرين من الناس.

طبعا كلنا يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية مسلم رقم  (2246) ((لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر))، وأيضا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :((لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر)) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث ...

ولكن بنفس الوقت لو نظرنا في آيات الله تعالى بقرآنه الكريم، وفي أحاديث أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نجد عبارات وصف بها للدهر من باب الذم ، مثل:
قول الله تعالى :((هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)) وقال تعالى: ((فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ)) وقال تعالى : ((فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ))
وقال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ((سنوات خداعات))

فكيف يفهم هذا مع النهي عن سب الدهر، ومتى يكون ساب الدهر آثما ومتى لا يقع في الإثم إن تكلم في الدهر؟؟!!!.

ولنا هنا أربع وقفات أساسية نبين فيها ماهو سب الدهر المنهي عنه، مستشهدا بأقوال أهل العلم بعد توضيح فكرتها.

الوقفة الأولى:
سؤال نطرح على انفسنا لماذا جاء النهي منه صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر؟
والجواب:لأن سب الدهر كان من عادات العرب فإذا أصابهم مكروه أو أمر سوء سبوا الدهر وذموه لأن العرب كانوا ينسبون ما كان يصيبهم من المصائب والكوارث إلى الدهر، فنهينا عن ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو مصرف الأمور وهو مقلب الليل والنهار، وما الدهر إلا ظرف لوقوع الحوادث فيه، وقد ورد في هذا كلام من كبار العلماء أذكر منهم أمثلة:

قال النووي في شرح مسلم: ((قال العلماء: وهو مجاز وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال أو غير ذلك فيقولون يا خيبة الدهر ونحو هذا من ألفاظ سب الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر" أي لا تسبوا فاعل النوازل فإنكم إذا سببتم فاعلها وقع السب على الله تعالى لأنه هو فاعلها ومنزلها. وأما الدهر الذي هو الزمان فلا فعل له بل هو مخلوق من جملة خلق الله تعالى، ومعنى "فإن الله هو الدهر" أي فاعل النوازل والحوادث وخالق الكائنات والله أعلم.انتهى))

قال الشافعي في تأويل هذا الحديث: ((والله أعلم إن العرب كان من شأنهم أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أو هرم أو تلف أو غير ذلك ...))

وقال البغوي ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان معناه: ((إن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سب الدهر " انتهى باختصار.))

الوقفة الثانية:
قد يوهم نص الحديث بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (فإن الله هو الدهر) بأن الدهر هو احد اسماء الله تعالى أو أن الله تعالى هو نفسه الدهر، وهذا الفهم آت من اعتماد هؤلاء على عقولهم وحسب، وعدم النظر في اقوال العلماء بالامر، وطبعا كلا الفهمين خاطأ ومردود، وينبغي أن يعلم أن الدهر ليس من أسماء الله سبحانه وتعالى على الصحيح من أقوال أهل العلم.

الوقفة الثالثة:
الله سبحانه وتعالى هو مقلب الليل والنهار، وهو مقدر الأفعال، لذلك فمن يسب الزمان قاصدا الزمان بذاته فهو واحد من اثنين.
الصنف الأول: شخص عاقل يفهم معنى الزمان، وانه مجرد ظرف تتقلب فيه الأفعال والأحوال التي قدرها الله تعالى، وبالتالي عند سبه للزمن إنما هو حقيقة يعترض على مايجري فيها ومعترض على فاعلها وهو الله تعالى وهذا منهي عنه بلا خلاف.

الصنف الثاني: من يلقبون انفسهم الدهريون او رجل مجنون يسير على سيرهم، ويعتقد ان الدهر او الزمن هو المتصرف بالأفعال، وبسبهم للزمن انما يسبون المتصرف الحقيقي، وهؤلاء خارجون عن الملا بلا خلاف، وكفرهم بواح.

وقال في هاذين المعنيين العديد من العلماء ايضا انقل لكم منهم:

وقال الإمام الخطابي في بيان المراد في قوله (أنا الدهر) معناه. "أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبوها إلى الدهر فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها وإنما الدهر زمان جعل ظرفاً لواقع الأمور وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا بؤساً للدهر وتباً للدهر". فتح الباري (10 / 196 ).

وعلى هذا يفهم الحديث ((يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر)) ـ بشكل صريح في النهي عن سب الدهر مطلقاً، سواء اعتقد أن الدهر هو الفاعل أو لم يعتقد ذلك.

وذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ أن سب الدهر فيه ثلاث مفاسد:
أحدها: سبه ممن ليس أهلاً للسب، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره متذلل لتسخيره فسابه أولى بالذم والسب منه.
الثانية: أن سبه متضمنا للشرك، فإنه سبه لظنه أنه يضر وينفع.
الثالثة: أن السب منهم وقع على من فعل هذه الأفعال .

ويضاف الرابعة : أن السب فيه اعتراض على قدر الله الكوني؛ لأنه لا يكون إلا ما يريده سبحانه وتعالى.

الوقفة الرابعة:
ماهو حكم من يلوم الزمن ولكن ليس لذات الزمن او للمتصرف فيه وهو الله تعالى، وإنما يلوم افعاله هو كعبد ويعتقد انه كان قادر ان يختار افعال غير هذه الأفعال كونه عبد مخير محاسب على افعاله، فيقول مثلا كان الأمس كئيب او تعيس، ولايقصد ان الزمن هو التعيس ولا ان الله تعالى اجرى افعال تعيسة ابدا، وإنما يقصد بكلامه انه هو كعبد قام بمجموعة من السلوكيات في الأمس ختمت له بيوم كان تعيسا بكل المقايس، ولو احسن الاختيار وضبط سلوكياته بشكل قويم كان بإمكانه الحصول على يوم أفضل، وإنما يصف اليوم الذي مر بأنه يوم تعيس كمن يصف اليوم ويقول كان يوما حارا او مشمسا أو أيام نحسات أويوم عصيب ونحوها...وهذا الكلام يقوله من قاله منتقدا نفسه ليحسن من غده.

أمثال هؤلاء لايمكن ان نقول لهم انكم أسأتم أو خرجتم عن الملا او نتهمهم بالكفر او اي شيء من هذا القبيل، وأقصى مايكن توجيهه لهم نصيحة رقيقة بحسن اختيار الألفاظ عند الكلام لان الكلام بهذا الأسلوب، قد تحوم حوله الشبهات ويفهم بشكل خاطئ، وتكلم بهذه المعاني ايضا العديد من العلماء انقل منهم كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.

سئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عن حكم سب الدهر :
فأجاب قائلا:
سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام .
القسم الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم: فهذا جائز مثل أن يقول " تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده " وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر.
القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر : فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله .
القسم الثالث : أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة: فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر؛ لأنه ما سب الله مباشرة، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً . ابن عثيمين "فتاوى العقيدة " (1 / 197).

والخلاصة لا بد من التفريق بين:
1- وصف الدهر على ما يجري فيه من أحداث فيوصف بها كقوله تعالى :"هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ " وقوله تعالى: " فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ " وقوله تعالى : " فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ"، وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : "سنوات خداعات"

2- وبين سب الدهر باعتبار إضافة ما يجري من الأحداث له على أنها الفاعلة كقوله تعالى : ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَايُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾، أو إعتراضا على الفاعل الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى.

وهذا والله تعالى أعلم.

وانا حقيقة عندما قرأت البيت الثالث وهو:
كم من زمان كئيـب الوجـه فرقنـا   *** واليوم عدنا ونفس الجـرح  يدمينـا

وجدت ان شطره الثاني يوضح مقصده من شطره الأول، وانه لايقصد الزمن او الدهر بذاته، وانما يتكلم عن افعال الحكام والشعوب التي عاشت في زمن الفرقة، وكيف اننا نكرر اليوم نفس تلك الأفعال التي فرقتنا.. كما لايخفى عن الجميع في هذه الأيام من المشكلة التي ثارت بين بعض الناس وفرقت بين شعبين غاليين على قلوبنا هما مصر والجزائر..

وهذا هو فهمي القاصر فلست من أهل الاختصاص في اللغة العربية، وكلّ آمل ممن معنا ومهم مختصين باللغة العربية ان يوضحوا لنا الفهم الصحيح لمثل هذا البيت، لكي نقول بعدها أنه يجب عدم نشر مثل هذه القصيدة ونعتذر عن نشرها، أم انها من الكلام المقبول شرعا وفق مابينه أهل العلم.

وجزاكم الله تعالى كل خير

أخوكم حسام محي الدين تلاوي مدير مجموعة أهل الصفا

--
الرجاء من الاعضاء الكرام المشتركين عن طريق بريد الهوتميل ارسال رسائلهم إلى البريد التالي بدل بريد المجموعة
ahlialsafa@gmail.com

جميع الرسائل تمثل أراء مرسليها و اى نقد يكون للموضوع و ليس للمرسل

No comments:

Engageya

موقع و دليل موجز مصر